graphic artists in the arab countries

Toshfesh
الحكواتيون الجدد: فن الكوميكس من "سندباد" إلى فناني الاحتجاج

اكتسب فن “الكوميكس”، أو فن الرسوم المصورة ملامح عصر ما بعد الحداثة إن كان من خلال اعتماده على نصوص وحوارات تتميز بالسهولة والاقتضاب، أو لناحية إقراره بسلطة البصريات المتمثلة بوفرة الرسوم، أو الصور الفوتوغرافية المرافقة للنصوص وقدرتها في أحيان كثيرة على إضفاء أبعاد شائكة لمعنى النص.



إضافة إلى ذلك بات من الجليّ أن فن رسم الكوميكس استطاع أن يتخلص تماما من اعتباره منتميا إلى عالم الرسوم التوضيحية التي ترافق النصوص المكتوبة بدلا من أن تتقدم عليها. هذا أيضا إذا لم نذكر أن فن الشريط المصور صنع لذاته مع مرور الحقبات ثقافة خاصة دخلت مجال الأيقنة الشعبوية التي تترافق مع صدور منتجات تجارية ذات صلة كالدمى التي تمثل أبطال الكوميكس أو ملابسهم أو حتى كلماتهم “المأثورة”.



إن كان فن الكوميكس الأجنبي قد لعب حتى اليوم دورا مهما في التاريخ الغربي وفي العالم العربي عندما وصل إليه مُترجما إلى اللغة العربية، فالكوميكس العربي الأصل والمنشأ يلعب وسيلعب دورا خطيرا في مواجهة تيار العولمة التي لم يعد أحد غافلا عن أهدافها الحقيقية.



خطورة هذا الدور لا تعود فقط إلى أن فن الكوميكس العربي يقدم مادة جديدة لصيقة بالمجتمعات العربية من الناحية السياسية، والفكرية والاقتصادية، والبيئية والاجتماعية فحسب، فقد قدمت، في هذا المضمار، ولا تزال الروايات الأدبية والدراسات الأكاديمية نتاجا أغزر وأعمق مما قدمه ويقدمه حتى الآن فن الكوميكس وهو نتاج أشاح النقاب عن العديد من الحقائق والتصورات المستقبلية لعالم يقف في مواجهة مع الآخر تحت قناع كلمتين “حوار ومحبة”، بل تعود خطورة دور الكوميكس العربي بوصفه فنا بإمكانه وبسهولة وسرعة كبيرتين أن يطال كل الفئات العمرية بكل المستويات الفكرية والثقافية والعلمية. بذلك هو قادر على أن يغير نظرة العربي إلى ذاته، لا سيما تلك النظرة السلبية أو الدونية التي يلقيها الآخر عليه.

والأهم من ذلك أنه فن استطاع أن يصل إلى غير المهتمين بالمطالعة على أنواعها وإلى من يفتقر إلى الوقت الكافي ليخصصه لها. لا يجدي نفعا ألا نقرّ بأنه مقارنة مع الشعوب الأخرى، الشعوب العربية لا تكترث كثيرا اليوم ولم تكترث بالماضي القريب بالقراءة لأكثر من سبب لسنا في صدد تناولها هنا. ولكن باختصار شديد يمكن القول إن اجتياح الثورة الرقمية والمعلوماتية عالمنا بكل صورها ومعادلاتها وعبر وسائطها الإلكترونية المتكاثرة جاء في زمن نرزح فيه بأغلبيتنا الساحقة تحت انشغالات معيشية وأمنية جمّة جعلت من الاضطلاح والقراءة والمقارنة ما بين النصوص ومراجعة مصادرها والتحقق من مصداقيتها ترفا أكثر مما هو حاجة.



في صلب هذا الجو العام أصبحت المجلة المصوّرة أو الكتاب المصوّر مهما بلغت تعقيداته الشكلية والمضمونية أكثر جاذبية وأسهل إلى التناول وأسرع إلى الأخذ بالقارئ حتى آخر صفحة منه. ولعل تجربة الفنانة اللبنانية مايا زنكول في كتابها الذي حقق نجاحا ساحقا في بيروت سنة 2009 وحمل عنوان “أملغام” هو دليل ساطع على قدرة الكوميكس على استقطاب الاهتمام الجماهيري. صرحت زنكول في إحدى مقابلاتها ما يترجم ما أوردنا ذكره آنفا. قالت “الناس باتت تقرأ أقل، ومن ثم هناك تفضيل للصورة مع جمل قصيرة، بحيث يصبح الكتاب أكثر جاذبية. لا شك في أن كثيرين يفضلون جملا مكتنزة وسريعة على قراءة 3 صفحات مثلا”.



غواية السرد السينمائي

الآلاف من الكلمات كُتبت عن المُلقب بالفن التاسع، أي فن الكوميكس وبدايته التي انطلقت من الولايات المتحدة ومن ثم أوروبا فاليابان. وقد قاربه الكثيرون مع فن السينما لأنه يتبنى جوانب كثيرة من منطقها السردي والبصري على السواء. فكلاهما يعتمد على الكتابة الدرامية أو ما يُسمّى بالسيناريو وكلاهما يعلّق أهمية كبرى على الإضاءة وكيفية تلاحق الصور بما تمثل من تنقل منطقي ما بين المشاهد الواسعة والضيقة من خلال زوايا مُختلفة، واستخدام لاحق لتقنية التوليف لتقويم التسلسل الزمني للحوادث الجارية، والتركيز على ملامح وتعابير الشخصيات الظاهرة والمُكوّنة لخصوصية العمل؛ أي أدائه وجماليته على السواء. فعلى سبيل المثال لا الحصر، استطاعت شركة “ديزني” بعد اندماجها مع شركة “مارفل” أن تحقق تحويل الآلاف من القصص المرسومة التي تعتمد خاصية التسلسل الزمني في هيئتها العامة، إلى أروع الأفلام التلفزيونية والسينمائية على السواء.



بعيدا عن أجواء أفلام ديزني نذكر تجربة مهمة جدا في هذا المجال متمثلة برواية شهيرة للروائي الأفغاني خالد حسيني تصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعا في العالم وترجمت إلى أكثر من 22 لغة ومن ضمنها اللغة العربية. عنوان هذه الرواية “عداء الطائرة الورقية”. فقد التقط صناع فن الكوميكس وهجها ومنطق “القصص المرسومة” التي تزخر به فسارعوا إلى تحويلها إلى كتاب كوميكس لم يقل نجاحه ولا أرقام توزيعه عن الرواية الأصلية. نذكر أيضا في هذا السياق “مغامرات تان تان” الشهيرة التي حولت من قصص مصورة إلى فيلم سينمائي يعج بالمؤثرات البصرية الآثرة.



أما مؤخرا، وكامتداد لغواية السرد السينمائي الذي يتمتع به فن الكوميكس قامت شركة “غوغل” بابتكار”ستوري بورد” وهو تطبيق سهل الاستعمال مبنيّ على استخراج الصور عشوائيا من أفلام الفيديو التي يصورها المرء ومن ثم تحويلها إلى قصص مصورة. فبعد أن يعمد المستخدم لهذا التطبيق إلى تحميل الفيديو، يقوم تطبيق “ستوري بورد” بسحب إطارات “صور” منه ويرتبها بطريقة القصص المصورة الشيّقة. كما يتيح التطبيق إمكانية تحديث النتيجة للحصول على تركيبة مختلفة وصور جديدة مسحوبة من الفيديو. يدعم التطبيق 1.6 ترليون تركيبة مختلفة، كما يوفر إمكانية حفظ “القصص المصورة” أو مشاركتها على شبكات التواصل الاجتماعي.



بدايات عربية

لا يمكن التكلم عن فن الكوميكس في بلد من البلاد العربية من دون الإشادة أولا بجهود المترجمين الذين أخذوا على عاتقهم نقل مؤلفات هذا الفن إلى اللغة العربية من مجلات مصوّرة ومُجلدات عرفت رواجا هائلا منذ فترة السبعينات حتى منتصف التسعينات من القرن الماضي. ومنها مؤلفات “سوبرمان”، و”لولو الصغيرة”، و”الرجل الوطواط” وغيرها، وهي مؤلفات مُخصصة مبدئيا لصغار السن، وخاصة المراهقين منهم.



في هذا السياق يجب ذكر أن مصر هي أول دولة عربية أطلقت بداية من الخمسينات من القرن الماضي فن القصّة المصورة وذلك بفضل فنانين مصريين كانوا في بدايتهم الفنية رسامي كاريكاتير. نذكر منهم الفنان أحمد إبراهيم حجازي في الشريط المصور “تنابلة السلطان” والفنان المصري أيضا، حسين أمين بيكار الذي أبدع فنيا في مجلة “سندباد” الصادرة عن دار المعارف الشهيرة لصاحبها الأديب محمد سعيد العريان. يُذكر أن محرك البحث “غوغل”، احتفل خلال سنة 2017 بمرور 104 أعوام على ذكرى ميلاد الفنان حسين أمين بيكار.



كما لا يمكن إغفال ذكر الفنان المصري محي الدين اللباد الذي عمل مع عدد من رواد الكوميكس على مجلة “سندباد”، وهو الذي ابتكر شخصية “الأستاذ زغلول” المُحببة وأول من نشر الكوميكس من خلال دار الفتى العربي، المجلة الرائدة في نشر العلوم التربوية والأدبية للأطفال في العالم العربي، والتي أسسها الدكتور نبيل شعث أحد الرواد الفلسطينيين البارزين في العام 1971 في بيروت كما ساهم في تأسيسها نخبة من الشخصيات الفلسطينية.



عبر مجلة “السندباد “الأسبوعية تعرّف القارئ-المشاهد على شخصيات عربية ومصرية حقيقية ومُتخايلة ولكن كلها مُعبّرة عن البيئة العربية من ناحية، ومن ناحية أخرى ناطقة بأقاصيص السندباد العربي الذي “لا يخاف الموج أبدا، حين يعلو ويضطرب”. وقد ساهمت هذه المجلة في إنجاح المسلسل التلفزيوني الكرتوني “السندباد البحري” الذي أنتج لاحقا وقدّم في لبنان مُدبلجا إلى اللغة العربية فنقل الكبير والصغير على السواء إلى عالم المغامرات حيث الشرير غير مُلتبس يحمل جريمته على ملامح وجهه وتصرفاته، ويخسر معاركه دائما أمام الخير.



صدرت مجلة “سندباد” قبل مجلة “سمير” المصرية بسنتين. ما من فتى أو فتاة لبنانية من جيل الحرب اللبنانية لا يذكر “مجلة سمير” لأنها كانت واحة أسبوعية مُنعشة في ظل التقاتل والانكفاء القصري في المنازل، على الأقل لغير الراشدين والمحظوظين بعدم الانتماء لأيّ طرف مُسلح آنذاك.

Source