graphic artists in the arab countries

Toshfesh
ملتقى متحرّك بنسخته الثالثة: كيف نفكّر ببديل للمناهج التعليمية الحالية؟ يعود "ملتقى متحرّك" بنسخته الثالثة ضمن مهرجان "ليالي بيروت المتحرّكة"!

ليلى يمين

يتنقّل اسم "متحرّك" على شاشةٍ بيضاء كبيرة في قاعة "سينما رويال" القديمة في برج حمّود في بيروت. يتحرّك الاسم بينما تحدّق القاعة الممتلئة بالطلّاب والمهتمّين بعالم التحريك بالأحرف المؤطّرة باللون الأحمر والمتمايلة يميناً وشمالاً بانتظار بدء الملتقى.

يعود "ملتقى متحرّك" بنسخته الثالثة ضمن مهرجان "ليالي بيروت المتحرّكة"، المهرجان الحديث والمخصص لعالم الأفلام المتحرّكة، وهذه المرّة من بيروت، بعد أن أقيم سابقاً في بيروت ومرسيليا في العام الماضي. ويتضمّن مهرجان "ليالي بيروت المتحرّكة" جائزة لأفضل فيلم متحرّك عربي قصير.

انقسم هذا الملتقى إلى أربعة أقسام: بدأ بعرضٍ مفصّل لموقع متحرّك الإلكتروني ونظرة عامّة على المحتوى المنشور منذ إنشاء الموقع مطلع العام 2023، تضمّن رؤية مستقبلية وما تتمنّى هذه المبادرة من إيصاله والعمل عليه. ملتقى متحرك هو حدث يهدف إلى جمع الأشخاص من المجتمع نفسه للالتقاء فعليًا ومباشرةً والتواصل مع الآخرين بسهولة. كما يقترح الملتقى في كلّ عامٍ، وللمرّة الثالثة، موضوعاً جديداً لمناقشته مع المجتمع يعنى باهتماماته وهواجسه الحالية. وكان موضوع هذه النسخة عن النماذج التربوية البديلة التي ظهرت في بيروت مؤخراً مثل "مرسم الحكايا" ومبادرة "خلاطة".

ثمّ انتقل الجمهور إلى التعرّف أكثر على مجموعتي "مرسم الحكايا" ومبادرة "خلّاطة" للتدريب الّلتان طرحتا وشاركتا تجاربها مع الطرق التعليمية الجديدة والبديلة للتحريك، والتي تحاولان العمل على تطورها كمناهج تعليمية مختصّة بالتحريك، في ظلّ غياب مناهج تعليمية جدية وعميقة تتعامل مع التحريك كصناعة جديدةٍ تحتاج لمنهاجٍ خاصٍّ بها يساهم بالتطوّرٍ الطبيعيّ لهذه الصناعة ضمن إطار تعليمي واضح ومنظّم. وأخيراً، انتهى هذا الملتقى بجلسة حوار ونقاش دارت بين الحضور ومقدّمي هذه المبادرات.

قدّم مؤسسو متحرّك المبادرة وبدأت المقدّمة مع جوان باز، ثمّ فادي باقي، العضوان المؤسسان في الموقع، ثم أليكس عبدالله، مدير التواصل في الموقع، بدأت فكرة متحرّك عامّ 2019، حينما كان مقرراً أن يقام مهرجان بيروت للرسوم المتحركة في عام 2019 ولكن الأمر لم ينجح، فقرر المؤسسون إنشاء منصة على الإنترنت ليكون مظلّة لكلّ ما هو "متحرّك" في العالم العربي، إلّا أنّ الظروف القاسية الّتي حصلت من أزمة اقتصادية إلى جائحة كورونا، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت لم، تسمح بانجازه، ومن هنا انتقل المؤسسون إلى فكرة الموقع وأطلقوا العمل على تحضيره، ليبصر النور عامّ 2023.

"الشي يلي منحلم فيه من زمان، صار أونلاين"، تقول جوان باز وهي تقدّم الموقع. "كان ناقصنا شي بيجمع المجتمع [التحريكي] سوا، شي بعرّف أكثر على المجال"، وتضيف قائلةً "مجال التحريك موجود في العالم العربي، ونحن بحاجة إلى ما يجمعنا ومنصّة تؤرشف أعمالنا".

تابعت من بعدها باز التعريف عن الموقع، والمحتوى المنشور وأقسامه وأبرز ما ينشر من مواضيع. بالإضافة إلى توسّع الموقع بالمواضيع العمليّة الّتي يواجهها الفنانون والمحركون في قطاع العمل.

تابع من بعدها أليكس ليعرّف الحضور أكثر على طبيعة ومحتوى المقالات المنشورة على موقع متحرّك وأبرز ما تتناوله بالإضافة إلى تعدد محتواها ومقاربتها المختلفة لمواضيع التحريك. فهذه المقالات تتنوع بين تغطياتٍ لأحداتٍ معينة ومهرجانات ترتبط بالتحريك، ومقالات تراجع بعض الأفلام المتحرّكة، منها ما يتناول المنحى التاريخي لمجال التحريك، وغيرها. أمّا اللافت هو انّ من أكثر المقالات قراءةً على الموقع هي المقالات ذات الأبعاد السياسية والتاريخية والاجتماعية، والّتي تربط بشكلٍ واضح بين التحريك كصناعة ومجال وتفاعل المجتمع معها.

واختتم الجزء الأوّل من الملتقى مع العضو المؤسس فادي باقي الّذي تناول بعمق موضوع مجتمع المحركين وهو قسم آخر موجود في مجال موقع متحرّك ويسمّى "من المحركين". هذا القسم يتوجّه بالمباشر للمحرّكين، الّذين يمكنهم بدورهم التشارك والتفاعل على هذه المنصّة. عليها، يشارك المحرّكون تجاربهم، وآراءهم، وأفكارًا تتعلّق بجوانب عدّة من مجال التحريك، ليصبح هذا الشقّ من "متحرّك" هو شقّ اجتماعي تواصلي وتفاعلي، حيث أنّ المحرّكن بأنفسهم هم الموضوع الأساسي وليسوا مجرد متلقّين.

"فيه كثير عالم، من ورا الانهيار تركت البلد، وبدها ترجع يمكن أو لا، بس نقطة الوصل عم بتكون بمتحرّك"، يقول باقي عن المنصّة الجامعة للمحرّكين العرب. بالرّغم من أنّ الدليل هذا لم يطلق بعد، إلّا أنّه على وشك أن يبصر النور قريباً جداً.

يبادر الفريق في كلّ ملتقى لمتحرّك إلى دعوة أحد أفراد مجتمع التحريك لمناقشة مواضيع معينة متخصصة باهتمامات هذا العالم المتنوعة. وفي هذا الملتقى، تمّت دعوة مبادرتين تعملان على تطوير أساليب ومناهج تعليمية تتخصص فقط بالتحريك كمهنة وليس كجزء من برنامج تدريسي أوسع، وبالتالي، تقدّم البدائل للمنهاج التعليمي الحالي. هذه البدائل نبعت من أفراد يعملون في المجال وكانوا قد أخذوا على عاتقهم الخاص، التعمّق أكثر بالمجال والمتابعة بدروسٍ جانبية إضافية ليصبحوا محرّكين.

المحطّة الثانية من الملتقى كانت مع المبادرة التعليمية الأولى، مبادرة "مرسم الحكايا". قدّم هذه المبادرة مؤسسها باتريك صفير، بالإضافة إلى المدربين شادي عون ومايا فداوي. تعمل هذه المبادرة على خلق منهج جديد لتدريس التحريك بجوانبه وتقنياته المختلفة. بدأ مشروع "مرسم الحكايا" عامّ 2021 مع باتريك صفير، الّذي استمدّ من تجربته الخاصّة في مسار دراسة التحريك: غلاء الدراسة بحدّ ذاتها، ضعف المناهج التدريسية وندرتها، وصعوبة وجود منهج يحيط بجوانب التحريك العديدة. فقرر البدء بمشروع يعمل على وضع منهج مكثّف يمتدّ لستة أشهرٍ لتدريس التحريك من خلال تمويله الخاصّ، وقدّمه مجاناً لعدد محدود من التلامذة، وتحديداً ستة طلاب. بالمقابل، يدرّس ستة أساتذة صفوف مختلفة في هذه المدرسة: التحريك، المؤثرات اللاحقة، التركيب، لوحة القصة.

بعد انقضاء المرحلة الأولى من هذا البرنامج، صنع الطلاب فيلمًا متحرّكًا قصيرًا مستندين على كلّ ما تعلّموه خلال هذه الفترة وقد نال هذا الفيلم بالذّات "جائزة متحرك لأفضل فيلم متحرك عربي قصير". عنوان الفيلم هو "2019" وهو من إنتاج وإخراج الطلّاب آية دبس، شاهناز عمرو، حسن علي، نضال القاضي، ويوسف تلايه.

بالرّغم من التحديات الكبيرة في هذه التجربة بالنسبة للمنظمين والطلاب على حد سواء، بعد تلقي العدد الهائل من طلبات التقديم واضطرارهم إلى قبول ستة فقط إلّا أنّها كانت تجربة مثمرة جداً. "شفنا تلاميذنا عم بيعملوا شغل كثير فظيع بوقت كثير قصير، عملوا شغل بينعمل بالجامعة بأربع سنين"، تقول مايا فداوي وهي أحدى المدربات في البرنامج.

يعود التدريب بنسخته الثانية في العامّ الدراسي المقبل ليبدأ في شهر أيلول القادم تزامناً مع عودة الطلاب إلى الجامعات.

"أفضل ما مررنا به خلال هذه التجربة هي اضطرارنا لتعلّم أمور كثيرة لم نكن لنتعلّمها بطريقةٍ أخرى"، يقول باتريك.

اللقاء الأخير في المهرجان كان مع "بندق ستوديو" وتحديداً مع أحمد خوجة وجنان داغر. انطلق مشروع "خلّاطة" من ستوديو بندق، المشروع الّذي عرّفا عنه خلال اللقاء، من فكرة إنتاج فيلم متحرّك طويل ثلاثيّ الأبعاد. لم يكن المشروع سهلًا واحتاج إلى خبرات مختلفة ومتعدد بالإضافة إلى تنوّع التقنيات المستخدمة والأدوات اللازمة لإنتاجه. أمّا الفريق بنفسه هو أيضاً متعدد ويضمّ موسيقيين، ومنتجين، ومحرّكين.

عندما بدأ هذا الفريق بالتفكير بكيفية بدء العمل على إنتاج الفيلم، تمّت مواجهة عدة مشاكل متعلّقة باختلاف التقنيات المتوفّرة بين أيديه، ومن هنا انطلقت فكرة برنامج "خلّاطة".

"خلاطة هو برنامج تعليمي اشتغلت عليه مجموعة اغلبيتها عالم تخرجوا من الجامعات ومنهم صرلهم سنين بيشتغلوا بمجال التحريك وبدهم يشتغلوا على هذا البرنامج".

وفعلاً انطلقت "خلاطة" مع التفكير بدايةً بكيف يمكن جمع هذه الخبرات تحت مظلّة واحدة. البرنامج هو برنامج تدريبي لرسامي الرسوم المتحركة والفنانين الرقميين الشباب الذين يرغبون في التعلم أو تعميق مهاراتهم في Blender، وهو برنامج إنشاء ثنائي وثلاثي الأبعاد مفتوح المصدر. حيث يحصل المتقدمون المختارون على تدريب مكثف لمدة شهرين يغطي مجموعة واسعة من المواضيع الأساسية.

في المرحلة الثانية من البرنامج، سيقوم المشاركون المختارون بتوسيع تعلمهم خارج الفصل الدراسي وتطبيق ما اكتسبوه في إطار تدريب لمدة 3 أشهر ضمن مرحلة ما قبل الإنتاج لمشروع تحريك ثلاثي الأبعاد بواسطة استوديو بندق، مع فرصة في النهاية ليتم تجنيدها في فريق الإنتاج.

بعد انتهاء العرض الأخير لبرنامج "خلاطة"، كان للمشاركين في اللقاء محطّة ما قبل الأخيرة مع عرض فيلم "2019"، لينتهي الملتقى بجلسة نقاش بين القيّمين على الملتقى والحضور.

كانت قاعة الملتقى ممتلئة خلال العرض بأكمله وهو أمر نادراً ما نلاحظه في الملتقيات الّتي تتضمّن عروضًا مختلفة، إلّا أن القاعة كانت تعجّ بالتلاميذ والعاملين بمجال التحريك وكانوا فعلياً يشاركون ويتفاعلون مع المقدمين. فقد استطاع ملتقى متحرّك تحقيق الهدف الأساسي من هذا الحدث وهو تواصل أفراد المجتمع بشكلٍ مباشر وفتح مجال أوسع للتفاعل بين بعضهم.

في الخارج، وبعد انتهاء الجلسات، كان هذا التواصل واضحًا جداً، حيث يناقش عدد من المشاركين والحاضرين من الطلاب والعاملين الموضوع المطروح، وبمختلف أعمالهم الخاصّة والعملية. وقد جلست مجموعة من الطلاب على الرصيف تتشارك الآراء عن ما سمعوه للتوّ. وأنا، الّتي لا علاقة لي بالتحريك، شعرت أنني أيضاً جزء من هذا المجتمع، وأقرب إلى مجموعة من الناس منهمكة بالتفكير بكيفية التنظيم والتعلّم، والعمل في قطاعٍ لا زال يعمل على وضع أساساته وتثبيتها في العالم العربي.
Source