الحمرا بعيون «السفير»: شارع بحجم وطن
امتدت أزمات لبنان على مدار عقود، لكنها وضعت رحالها في شارع الحمرا، ليس من باب المصادفة، بل بفعل طبيعة الشارع وتكوينه الاجتماعي والثقافي والديموغرافي، الذي جعله مرآة تعكس الواقع اللبناني بأفراحه ومآسيه، بفنه ونضاله، بفقره وغناه.
ففي الحمرا تجمّعت كل مفردات الحياة اللبنانية: المقاهي، دور السينما، المسارح، النشاطات الثقافية، الجامعة، المستشفى، الصحيفة، السياسة، الحرب، الاحتلال، التحرير، النزوح، والفقر. شارع واحد اختصر تاريخ بلد بأكمله، وفتح نافذة على فهم أعمق لتاريخه وحاضره.
من هذه الزاوية، اختارت جريدة «السفير» بالتعاون مع مبادرة «أيام بيروت الفنية» تنظيم معرض يستعيد تاريخ الحمرا بين عامَي 1974 و2016، وهي المدة التي توازي سنوات صدور الجريدة.
المعرض، الذي امتد لأربعة أيام ابتداءً من التاسع من تموز (يوليو)، شكّل تجربة تفاعلية مع الزوار عبر استعراض أرشيف الجريدة المرتبط بالشارع، ليكتشفوا عبره محطات مفصلية في التاريخ اللبناني.
قسمت محتويات المعرض إلى حقبات زمنية، تناولت أبرز المحطات التاريخية: بدءاً من الحرب الأهلية اللبنانية، مروراً بالاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، فصعود الميليشيات، ثم اتفاق الطائف، وما تلاه من مرحلة إعمار في التسعينيات شهدت انتعاشاً شمل الحمرا كما سائر البلاد.
كما تناولت المعروضات مرحلة الاغتيالات السياسية في عام 2005، والحرب الإسرائيلية في تموز (يوليو) 2006، والأزمات السياسية المتلاحقة، وصولاً إلى حراك 2015 وأزمة النفايات.
لم يتوقف المعرض عند حدود مدة صدور «السفير»، بل تطرق أيضاً إلى ما بعد إقفال الصحيفة عام 2016، فاستعرض أحداث الانتفاضة الشعبية في عام 2019، والأزمة المالية، وتفشي وباء كورونا، وانتهاءً بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.
هذا التسلسل الزمني أتاح للزائر فرصة التأمل في تاريخ طويل من التحولات والتجارب التي مرت بها البلاد عبر الشارع الذي دائماً ما شكّل نقطة تقاطع رمزية بين السياسي والثقافي والاجتماعي.
الإخراج الفني للمعرض تولاه وليد فتوني، الذي اختار وضع الصور على شاشات عرض داخل الشارع نفسه، ليعيش الزائر تجربة المشي في الحمرا والتنقل من محطة إلى أخرى كما لو كان يتنقل في الزمن. هذا التوظيف للمكان عزز من الأثر التفاعلي للمعرض وربط الزائر مباشرة بالمكان والحدث.
ووفقاً للمدير العام لجريدة «السفير» أحمد سلمان، جاءت الفكرة بناءً على اقتراح من «أيام بيروت الفنية»، وكان التصور الأولي يقتصر على عرض الصور فقط. غير أن فريق العمل، أثناء التحضير، اكتشف مقالات ترافق الصور وتحكي قصصها، إلى جانب مقالات أخرى مرتبطة بالأحداث، ما دفعهم إلى توسيع المعروضات لتشمل أيضاً النصوص الصحافية. وتم التركيز على الحمرا، لما تمثله من نموذج حي يعكس صورة لبنان وتحولاته.
التحدي الأساسي الذي واجهه المعرض، كما يشير سلمان، تمثل في استقطاب الجيل الجديد، ولا سيما من هم دون الثلاثين عاماً، أي الجيل الذي لم ينشأ على قراءة الصحف الورقية.
أما الأجيال الأكبر، ممّن تجاوزوا الأربعين عاماً، فهم شهود على تلك الحقبات، عايشوا الأحداث، ورأوا الصور حينها، وتفاعلوا معها. لذا، فإن الطموح اليوم هو تحويل هذا الأرشيف إلى مادة بصرية وتاريخية تحاكي الأجيال الشابة وتوصل إليهم ذاكرة شارع هو في جوهره ذاكرة وطن.
Source