graphic artists in the arab countries

Toshfesh
طاهر حمودة ما قبل الحبّ بقليل

طاهر حمودة اسم غير مألوف لمساحات العرض في لبنان، علماً أنّه من أبرز التشكيليين الشبّان في مصر، وهو يقيم معرضه المنفرد الأول في بيروت في غاليري LT (مار مخايل) حتى 24 تموز (يوليو) تحت عنوان «قبل التفاحة».

المعرض فرصة للمهتمّين والمتابعين للتعرف إلى أسلوب حمودة الذي يستعين كثيراً في أعماله برمزين أساسيين، الكرسي والتفاحة.

يعيد تشكيلهما ضمن بناء تجريديّ أكثر تعقيداً، فيتحوّل الكرسي مثلاً من أداة جلوس إلى علامة احتماء داخل مساحة من التأمّل والانفصال.
وتتخلّص التفاحة في لوحته من عبء الخطيئة الأسطوريّ، لتغدو رمزاً إنسانياً للحب. في هذه الاستعارات المعكوسة، يُظهر طاهر حمودة قدرةً فريدةً على تفكيك الرموز وإعادة تشكيلها وإحيائها ضمن ثيمات وجدانية معاصرة.

‏يستخدم حمودة الأكريليك وسيطاً أساسياً لطقوس الرسم لديه التي يتداخل فيها الجسد مع اللوحة في حركة شبه بدائية، غريزية، صادقة، فالأكريليك مادة تجف بسرعة، ما يستدعي تعاملاً دقيقاً ومنظماً معها. التناقض بين الغريزيّ والمنضبط لا يتجلّى في التقنية فقط، بل يتمظهر أيضاً في الشكل والمضمون عبر تقشّف تعبيريّ يقابله ثقل رمزيّ، وهدوء ظاهريّ يخفي اشتعالاً داخلياً.

كل لوحة تبدو مساحة تأمّل، لحظة تشكيلية ولونية مشبعة بالداخل المضطرم. اللوحة لدى طاهر حمودة ليست فسحة لاستعراض المهارات، بل مساحة داخلية للذات، لحظة ما قبل الاعتراف، ما قبل الحب، ما قبل السقوط.

تلك اللحظة التي يبدأ فيها التحوّل الداخليّ. تحضر في تجربة حمودة تكراراً شخصية بلا ملامح واضحة تُعرف بـ «بطل الظلّ». هذا «البطل» ليس بطلاً ملحمياً، بل مرآة لداخل إنسانيّ هشّ، متردّد، منعزل ومتأمّل. ولا يعني غياب الملامح انعدام الهوية، بل يرمز إلى مواجهة بين الذات العامة والذات الفردية، واعتراف بأنّ ما نكونه غالباً لا يُرى بل يُشعر به فقط.

«بطل الظل» هذا لا يسكن الحكاية، فمسكنه هو ما بين الحكايات، أو في ما يسبقها. بذلك، يمسي حضوره نوعاً من اللاحدث، تجسيداً بصرياً للحظة الصمت، للتردد، ولقفزات وتحوّلات داخلية لا تُرى.

‏يبحث حمودة عن لحظات سكينة في عالم يطغى عليه الصخب والسرعة، جاعلاً السكينة في لوحاته مكاناً مادياً، ملموساً، يُشعر به، مستخدماً الألوان الهادئة لتوازناته البصرية الآسرة، بل المدهشة، كأنّها أشكال منحوتة، كأنّها نحت في الرسم بأبعاد ثلاثة وإحساس بالمادة التي تذكّرنا بالفن المصريّ القديم المعاد تشكيله بأساليب معاصرة. هدوء اللوحة يشبه هدوء الفنان الداخليّ، والألوان عنده تشبه الأصوات التي تخاطب الناظر همساً.

ورغم الثبات في تكوينات اللوحة، المستمدّ من فن النحت، إلا أنّها توحي حركةً مستمرة لا تهدأ، وتلك مفارقة غريبة بين ثبات التكوين وحركة الجسد ومفردات اللوحة، كامتداد الأيدي وقبضها على ساق الكرسي أو الطاولة. إنها الحركة وسط السكون.

لكن ثمة خوف واحتماء وقلق وتوجّس وتوتّر دائم. هذه التكوينات الضخمة ذات الأبعاد الثلاثة تصنع فرادة لوحات طاهر حمودي التي قد تستدعي أساليب معروفة إنّما ليس على نحو أكيد.

أي أنّ مراجعها صعبة تنزلق ولا يُقبض عليها بسهولة، لما فيها من أصالة وحداثة متداخلتين على نحو مثير للدهشة والإعجاب.

* «قبل التفاحة»: حتى 24 تموز (يوليو) ـــ غاليري LT (مار مخايل)
Source