الكوميكس في العالم العربي
أحمد اليازوري
الأربعاء 31 نوار 201710:04 م
يمكن اليوم رصد الجديد في حركة الثقافة والفن في العالم العربي عبر تتبع مراحل قصصها المصورة بأنواعها المختلفة، من قصص الأطفال المشوقة ومغامراتها، إلى قصص حقيقية يرسمها من تربوا على القصص القديمة، ليخرجوا بحس نقدي ينقل الواقع بصورة ساخرة. في ما يلي محاولة لرصد أبرز إصدارات الكوميكس في العالم العربي.
مجلة السمندل
بدأت اللبنانية لينا مرهج عام 2007 في تأسيس مجلة السمندل بثلاث لغات بالمشاركة مع فنانين آخرين. يتوزع محتوى المجلة بين النص والصورة، الرسم الحر والفن الشعبي بصيغ تقليدية وحديثة بآن واحد. المجلة التي اختارت شعار “قصص مصورة من هنا وهناك” تعمد لتوسيع تجربتها خارج لبنان، وترصد مواضيع دينية وسياسية وجنسية. تتميز السمندل بقوة طرحها للوضع المعيشي في ظل حالة الاحتراب السياسي في لبنان، لكن التنوع المفروض في قصص المجلة يلغي هيمنة السياسي، فثمة مواضيع آخرى تطرح نفسها، وذلك عبر التعاون مع رسامين عالميين ومتخصصين في مجال الكوميكس.
مجلة توك توك
واكبت 25 يناير ثورة أخرى في أهمية العلامة البصرية، فمنذ اليوم الأول للمتظاهرين في ميدان التحرير انتشرت اللوحات والرسومات والصور، ورافقتها مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعية، ما أظهر اهتماماً كبيراً لبداية الفن التاسع في مصر، بعد أن كان هذا الفن مقتصراً على القصص المصورة للأطفال.
قبل أيام قليلة من ثورة 25 يناير صدر العدد الأول من مجلة توك توك كأول محطة رسمية للقصص المصورة في مصر بعد عقود من الغياب. يعود اسم "توك توك" لمركبة صغيرة ذات ثلاث عجلات تستعمل في المناطق الشعبية، وتعتبر أحد أهم وسائل المواصلات. اتخذت المجلة "تحفظ بعيداً عن متناول يد الأطفال" كشعار لها على واجهة الغلاف. بأسلوب ساخر، يصل أحياناً إلى كوميديا سوداء، تعكس توك توك رداءة الواقع واختناقه في زحمة القاهرة. يتكون فريق تحرير المجلة من: محمد شناوي وهشام رحمة وأنديل ومخلوف وتوفيق، ويعمل كل منهم بأسلوبه الخاص، إذ تختلف أساليب الرسم والسخرية تبعاً لتأثر كل منهم بمدرسة معينة. تقوم المجلة بذلك على تنوع أذواق مبهر، بدءاً بالسخرية الحادة، وصولاً إلى التطرق لمختلف الأمور التي كانت ممنوعة من قبل.
احتفى العدد الأول من توك توك برسام الكاريكاتير المصري حجازي، والذي يعتبر من أشهر الرساميين في ستينيات القرن الماضي. حجازي كان يستقي رسوماته من هموم رجل الشارع البسيط، وهو ما يقوم عليه فن القائمين على توك توك.
هل يحتاج الفنان لإدراك الحدود الأخيرة للسخرية؟ ربما، لكن توك توك ومبدعيها يعرفون إلى أي مدى يمكن التوغل في الموضوع الجنسي والديني، فتقوم القصص التي يرسمونها على نقل أحداث قد تبدو متشابهة مع الواقع، وقائمة بحد ذاتها في الحقيقة ومستمرة إلى هذه اللحظة. واجهت المجلة انتقاداً لاذعاً من البعض، وترحيباً حاراً من قبل جمهورها.
كوميكس من أجل سوريا
لم يختلف الحال كثيراً في سوريا ما قبل الثورة، فقد تواجدت حركة صغيرة ومحدودة للقصص المصورة، وتم نشر بعض الروايات المصورة، إلا أن كل المحاولات لنشر قصص تتناول الأوضاع الاجتماعية كانت تواجه بالمنع والاعتقال الفوري. إضافة إلى هذا المنع الإعلامي، فإن عدم وجود تمويل مالي أدى إلى تقزيم هذه المحاولات، ما دفع الفنانين إلى الأعمال المصورة التجارية وشركات الإنتاج الخاصة التي تحدّ من حريتهم في الرسم.
انقلبت الحال بعد الثورة، وفي العام 2012 اجتمعت مجموعة من الفنانين السوريين وبدأوا العمل على أول مشروع قصص مصورة تحت عنوان “كوميكس من أجل سوريا”. يتراوح العمل الفني، الذي يصور يوميات الثورة السورية، بين السخرية المطلقة والكوميديا السوداء، فتنسحب الكوميديا على الواقع بمآساته ومصائبه ما بين تصوير التعذيب في السجون والوقوف على حواجز الجيش والاعتقال العشوائي، وصولاً إلى القتل وكثرة ضحاياه.
وإن كانت الأخبار تتناول دائماً موضوع الهجرة غير الشرعية لآلاف اللاجئين، قامت القصص المصورة بتجسيد القصص الحقيقية عبر استعارات واضحة مثل: "تستقبل الدول الأوروبية اللاجئين السوريين ولكن من الشباك لأن الباب مغلق".
في نوفمبر الماضي جرى العمل على طباعة أول نسخة من المجلة وتوزيع 1000 نسخة في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن كأول تجربة على الأرض، غير أن المجموعة اتخذت من الشبكات الاجتماعية مكانا للترويج لقصصها، من أجل الوصول لأكبر شريحة.
في فلسطين، نجد تجربة زان ستوديو التي تأسست كحاضنة لمجموعة من الشباب يعملون في مجال الفنون البصرية. تعتمد "زان" على التقنيات الحديثة من أجل صياغة خطاب بصري معاصر، مع رؤية ملتزمة تؤمن بالفن كوسيلة للتغيير، تحت شعار: "الفن للجميع وليس للنخبة، نريد له أن ينزل من القاعات إلى الشارع، ليصبح كالفلافل متاحاً للجميع".
تنوعت إنتاجات زان الفنية على يد الفنان عامر الشوملي ورفاقه ما بين قصص مصورة وأعمال فنية تجريبية وكاريكاتير ساخر إضافة إلى أفلام كرتونية قصيرة. تحاكي أعمالهم الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في فلسطين، وتبعات ممارسات الاحتلال اليومية على المواطن الفلسطيني. يقوم عامر الشوملي بإنتاج قصة مصورة قصيرة بشكل دوري تحت عنوان “زان الآن”، ويستقي النص والصورة من وحي الواقع والإحتكاك اليومي ومشاكله مثل غلاء الأسعار وقضايا اجتماعية أخرى متعددة.
مجلة برم
في غزة ما زال فن القصص المصورة يخطو خطواته الأولى، على عكس تجربة زان ستوديو الناضجة، فقد ظهرت مع بداية عام 2014 أول مجلة قصص مصورة بعنوان “برم” المستقاة من اللهجة الشعبية الفلسطينية بمعنى “الثرثرة”. تعرف برم عن نفسها بأنها مجلة خفيفة تتناول كلام الشارع، فهم لم يتخيلوا مجتمعاً ولم يخلقوا آخر، بل إن المجتمع الفلسطيني في غزة، بكل تناقضاته، هو المحتوى الذي يرسمون عنه ويتحدثون عنه دون مبالغة. على الرغم من جودة الرسومات العالية، إلا أن المحتوى ما زال بحاجة للتطوير حتى يكتمل العمل الفني.
[br/] لا تزال القصص المصورة في العالم العربي تواجه تحديات جمة، أهمها مدى الانتشار والقدرة على الوصول لأكبر قدر من الجمهور. يبقى ذلك معتمداً على حجم التمويل والرعاية التي تتلقاها المجلة، الأمر الذي لا يزال إشكالياً في العالم العربي. من ناحية أخرى، يواجه الرسامون مشكلة الرقابة الرسمية والرقابة الاجتماعية. في عام 2008 صدرت أول رواية مصورة للرسام المصري مجدي الشافعي بعنوان "مترو"، لكنه اعتقل على إثرها وقامت هيئة الرقابة بمنع نشرها. تجرأت الرواية ذات الطابع البوليسي على تصوير الأوضاع الإقتصادية والسياسية المزرية في مصر، لتكون سباقة في توقع ما سيحدث مطلع العام 2011.
Source