-
مصر
كان يحلم في طفولته بتحويل العسل الأسود في قريته الى ألوان تزين لوحاته، فكل شيء لديه قابل للرسم، ويقدح زناد الهامه، هو صاحب الوخز بالكلمات والريشة التي ينفث السحر منها، ولوحاته تجسد ما يجول في خياله ووجدانه. سكنه حزن دفين لأنه تيتم بموت أمه وهو رضيع، وشقاوة ودهشة طفولية منذ بدأت خطوطه تحاور وتناور وتتمرد على كل الأساليب التقليدية. امتلك ناصية التعبير في كل إبداعاته في الكاريكاتور والفن التشكيلي والنحت والكتابة الأدبية. جورج البهجوري حمل على كاهله ستين سنة من التألق والإبداع بلوحات تفيض إنسانية وحناناً، تميزت شخصيته المتفردة بموضوعاتها الإنسانية، التي استطاع من خلالها أن يحقق مكانة متميزة على خريطة الحركة الفنية في مصر وباريس والعالم العربي. ورغم شهرته كرسام كاريكاتور، إلا أنه كان يحرص على ممارسة الرسم الملون، وإقامة المعارض، وحضور المهرجانات التشكيلية. أقام عشرات المعارض في سائر أرجاء العالم، وشارك في العديد من المعارض الدولية منها بينالي في البندقية في العام 1966، ومثل بأعماله الفن المصري المعاصر في العام 1980 في متحف تيسي ليمان. كما عرض أعماله في العام 1981 في متحف بورلي في مرسيليا ثم في قاعة سان آنييه في باريس.
فاز بجوائز كثيرة، منها الجائزة العالمية الأولى في الكاريكاتور في روما في العامين 1985 و1987، وجائزة لجنة التحكيم من معرض «سكوبيد» الدولي في يوغوسلافيا، وجائزة الملك عبد الله الثاني للابداع والآداب والفنون. اسمه الحقيقي جورج عبد المسيح بشاي شنودة ساليدس جرجس، واستمد لقبه البهجوري من قرية بهجورة المشهورة بزراعة القصب والنخيل في الاقصر، التي ولد فيها في العام 1932. درس فن الرسم الملون في كلية الفنون الجميلة في القاهرة وتخرج في العام 1955. وبدأ عمله في الرسم الصحفي في العام 1953 في مجلتي «روز اليوسف» و»صباح الخير». ثم هاجر إلى باريس ودرس في البوزار «أكاديمية الفنون الجميلة» في مرسم «بانكيل» في العام 1969. وأقام في العاصمة الفرنسية حتى عودته إلى القاهرة مرة أخرى في تسعينيات القرن الماضي. أصدر ثلاثة كتب كاريكاتور إضافة إلى كتاب مذكرات باريسية ضاحكة «بهجر في المهجر»، وروائية طويلة أشبه بالسيرة الذاتية اختار لبطلها اسم فلتس وهو الاسم الشهير لأي طفل شقي في عائلة قبطية. كما رسم الكاريكاتور الصحفي في الجرائد اليومية بعنوان «خط واحد».
عبّرت أعماله عما وراء الشكل الظاهري من موضوعات اجتماعية ونفسية ولكن بلغة مشتركة مقروءة ومفهومة، من خلال مواقف وشخصيات بسيطة يصادفها الانسان كل يوم. آخر معارضه كان عن كوكب الشرق أم كلثوم، التي رسمها في جميع أوضاعها على المسرح، والجمهور يهتز طرباً ويصفق بلا انقطاع. ولم تصرفه مهامه الصحفية كرسام ساخر عن إبداع لوحاته الزيتية، التي استلهم أسلوبها من الايقونات القبطية القديمة وفنون التراث عموماً. وعبّر في لوحاته عن عالم الأطفال والزحام في الأحياء الشعبية، وهذا ما استلهمه من مشاهد الحارة في القاهرة، في بداياته.